فهو يرد عنا جزءا كبيرا من حرارة الشمس وأشعتها المهلكة، كما يرد عنا قدرا هائلا من الأشعة الكونية القاتلة، وتحترق فيه بالاحتكاك بمادته أجرام الشهب وأغلب مادة النيازك، وهي تهطل علي الأرض كحبات المطر في كل يوم.
ولو كانت أبعاد الأرض أكبر قليلا من أبعادها الحالية لزادت قدرتها علي جذب الأشياء زيادة ملحوظة مما يعوق الحركة، ويحول دون النمو الكامل لأي كائن حي علي سطحها إن وجد، وذلك لأن الزيادة في جاذبية الأرض تمكنها من جذب المزيد من صور المادة والطاقة في غلافها الغازي فيزداد ضغطه على سطح الأرض.
كما تزداد كثافته فتعوق وصول القدر الكافي من أشعة الشمس إلى الأرض، كما قد تؤدي إلى احتفاظ الأرض بتلك الطاقة فتزداد باستمرار وترتفع حرارتها ارتفاعا يحول دون وجود أي صورة من صور الحياة الأرضية علي سطحها.
ويتعلق طول كل من نهار وليل الأرض وطول سنتها، بكل من بعد الأرض عن الشمس، وبأبعادها ككوكب يدور حول محوره، ويجري في مدار ثابت حولها.
فلو كانت سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس أعلي من سرعتها الحالية لقصر طول اليوم الأرضي (بنهاره وليله) قصرا مخلا، ولو كانت أبطأ من سرعتها الحالية لطال يوم الأرض طولا مخلا، وفي كلتا الحالتين يختل نظام الحياة الأرضية اختلالا قد يؤدي إلي إفناء الحياة علي سطح الأرض بالكامل.
إن لم يكن قد أدي إلي إفناء الأرض ككوكب إفناء تاما، وذلك لأن قصر اليوم الأرضي أو استطالته (بنهاره وليله) يخل إخلالا كبيرا بتوزيع طاقة الشمس علي المساحة المحددة من الأرض.
وبالتالي يخل بجميع العمليات الحياتية من مثل النوم واليقظة، والتنفس والنتح، وغيرها، كما يخل بجميع الأنشطة المناخية من مثل الدفء والبرودة، والجفاف والرطوبة، وحركة الرياح والأعاصير والأمواج، وعمليات التعرية المختلفة، ودورة المياه حول الأرض وغيرها من أنشطة.
كذلك فلو لم تكن الأرض مائلة بمحورها علي مستوي مدار الشمس ما تبادلت الفصول، وإذا لم تتبادل الفصول اختل نظام الحياة علي الأرض.
وبالإضافة إلي ذلك فإن تحديد مدار الأرض حول الشمس بشكله البيضاني (الإهليلجي)، وتحديد وضع الأرض فيه قربا وبعدا علي مسافات منضبطة من الشمس يلعب دورا مهما في ضبط كمية الطاقة الشمسية الواصلة إلي كل جزء من أجزاء الأرض وهو من أهم العوامل لجعلها صالحة لنمط الحياة المزدهرة علي سطحها، وهذا كله ناتج عن الاتزان الدقيق بين كل من القوة الطاردة (النابذة) المركزية التي دفعت بالأرض إلي خارج نطاق الشمس، وشدة جاذبية الشمس لها.
ولو اختل هذا الاتزان بأقل قدر ممكن فإنه يعرض الأرض إما للابتلاع بواسطة الشمس حيث درجة حرارة قلبها تزيد عن خمسة عشر مليونا من الدرجات المطلقة، أو تعرضها للانفلات من عقال جاذبية الشمس فتضيع في فسحة الكون المترامية فتتجمد بمن عليها وما عليها، أو تحرق بواسطة الأشعة الكونية، أو تصطدم بجرم آخر، أو تبتلع بواسطة نجم من النجوم.
والكون من حولنا مليء بالمخاطر التي لا يعلم مداها إلا الله (تعالى)، والتي لا يحفظنا منها إلا رحمته (سبحانه وتعاليى) ويتمثل جانب من جوانب رحمة الله بنا في عدد من السنين المحددة التي تحكم الأرض كما تحكم جميع أجرام السماء في حركة دقيقة دائبة لا تتوقف ولا تتخلف حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ثالثا: بنية الأرض
أثبتت دراسات الأرض أنها تنبني من عدة نطق محددة حول كرة مصمتة من الحديد والنيكل تعرف باسم لب الأرض الصلب(الداخلي) ولهذا اللب الصلب كما لكل نطاق من نطق الأرض دوره في جعل هذا الكوكب صالحا للعمران بالحياة الأرضية في جميع صورها.
وتقسم النطق الداخلية للأرض علي أساس من تركيبها الكيميائي أو علي أساس من صفاتها الميكانيكية باختلافات بسيطة بين العلماء، وتترتب بنية الأرض من الداخل إلي الخارج علي النحو التالي:
(1) لب الأرض الصلب (الداخلي)
وهو عبارة عن نواة صلبة من الحديد (%90) وبعض النيكل (%9) مع قليل من العناصر الخفيفة من مثل الفوسفور، الكربون، السيليكون (%1)، وهو نفس تركيب النيازك الحديدية تقريبا.
ويبلغ قطر هذه النواة حوالي 2402 كيلو متر، ويمتد نصف قطرها من مركزها علي عمق 6371 كيلو مترا إلي عمق 5170 كيلو مترا تحت سطح الأرض.
ولما كانت كثافة الأرض في مجموعها تقدر بحوالي 5.52 جرام للسنتيمتر المكعب، بينما تختلف كثافة قشرة الأرض بين 2.7 جرام للسنتيمتر المكعب، وحوالي 3 جرامات للسنتيمتر المكعب، فإن الاستنتاج المنطقي يؤدي إلي أن كثافة لب الأرض لابد وأن تتراوح بين 10 و 13.5 جرام للسنتيمتر المكعب.
(2) نطاق لب الأرض السائل (الخارجي)
وهو نطاق سائل يحيط باللب الصلب، وله نفس تركيبه الكيميائي تقريبا وإن كانت مادته منصهرة، ويبلغ سمكه 2275 كيلو مترا (من عمق 5170 كيلو مترا إلي عمق 2885 كيلو مترا تحت سطح الأرض).
ويفصل هذا النطاق عن اللب الصلب منطقة انتقالية يبلغ سمكها 450 كيلو مترا تمثل بدايات عملية الانصهار وعلي ذلك فهي شبه منصهرة (وتمتد من عمق 5170 كيلو مترا إلي عمق 4720 كيلو مترا تحت سطح الأرض) ويكون كل من لب الأرض الصلب ولبها السائل حوالي 31% من كتلتها.