ويأتي الإنسان - ذلك المخلوق المكرم - في قمة ما خلق الله الذي أكرمه بانتصاب القامة. وبالسير علي ساقين وبتناسق أبعاد الجسم، وأطوال الأطراف. وحجم الجمجمة، وبمهارة في اليدين، ونماء في العقل، وقدرة علي الاختيار، وعلي إدراك الذات، والانفعال والشعور، وعلي اكتساب المعارف والمهارات، وبغير ذلك من الصفات التي ميزه الله (تعالى) بها، وكرمه علي بقية خلقه.
ثالثا: في معني قوله تعالى: {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}: من أكبر مجموعات الحياة الحيوانية ما يجمع تحت شعبة خاصة تعرف باسم شعبة مفصليات الأقدام (PhylumArthropoda) والتي تضم أكبر عدد من أفراد وأنواع الحيوانات البحرية والأرضية حيث يصل عدد أنواع هذه الشعبة إلي أكثر من مليون ونصف المليون نوع.
وتتميز الأفراد في شعبة مفصليات الأقدام بأجسامها المقسمة إلي عدد من الحلقات المرتبطة ببعضها البعض بمفاصل تسمح لكل منها بالحركة، وبهياكلها الكيتينية، وبأطرافها المقسمة والمفصلية والموجودة في هيئة زوجية علي كل حلقة من حلقات الجسم وهنا تتعدد الأرجل إلي العشرات بل إلي المئات حتى الآلاف ولذلك ختمت الآية الكريمة التي نحن بصددها بقول الحق (تبارك وتعالى): {يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} تأكيدا علي طلاقة القدرة الإلهية في الخلق، وقدرته سبحانه وتعالى علي البعث.
وتأكيدا علي وحدانيته المطلقة فوق جميع خلقه الذين خلقهم في الأصل جميعا من الماء، وجعل حياتهم قائمة عليه بعلمه وحكمته وإرادته، حتى يكون في تنوع الخلق من منشأ واحد وفي زوجية كاملة ما يشهد له (سبحانه وتعالى) بالوحدانية الكاملة فوق جميع خلقه بغير شريك ولا شبيه، ولا منازع، ولا صاحبة، ولا ولد، وكلها من صفات المخلوقين والله (تعالى) منزه تنزيها كاملا عن جميع صفات خلقه.
ومن شعبة مفصليات الأقدام ما يلي:
(1) تحت شعبة الكلابيات (SubphylumChelicerata): وتشمل العقارب (Scorpions)، والعناكب (Spiders)، والفاش (Mites)، والقراد (Ticks) والتي تنطوي تحت مسمي العنكبيات (Arachnids).
(2) تحت شعبة الفكيات (SubphylumMandibulata): وتشمل كلا من طائفة القشريات (Crustacea) والحشرات (Insecta) ومن القشريات ذات الأقدام العشرة (Decapoda) الجمبري وسرطان البحر، ومنها طائفة عديدات الأقدام (Myriapoda) وتحتوي كلا من ذوات المائة قدم (Centipedes)، وذوات الألف قدم (Millipedes).
هذه الحقائق التي مؤداها أن الله تعالى خلق كل دابة من ماء، وأنه يمكن تقسيم دواب الأرض علي أساس من طرائق حركتها ووسائل تلك الحركة لم تكن معروفة في زمن الوحي، ولا لقرون متطاولة من بعده، وورودها في هذه الآية الكريمة التي يقول فيها ربنا (تبارك وتعالى): {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (سورة النور الآية 45).
هذه الحقائق وحدها كافية للشهادة للقرآن الكريم بأنه لا يمكن أن يكون صناعة بشرية، بل هو كلام الله الخالق الذي أنزله بعلمه علي خاتم أنبيائه ورسله، وحفظه بعهده الذي قطعه علي ذاته العلية حفظا كاملا في نفس لغة وحيه (اللغة العربية) حتي يبقي شاهدا علي جميع الخلق إلي قيام الساعة.
وهذه الحقائق كافية للشهادة بالنبوة وبالرسالة لسيد الأولين والآخرين، وإمام الأنبياء والمرسلين، وخاتمهم أجمعين سيدنا محمد بن عبدالله (صلي الله وسلم وبارك عليه وعلي آله وصحبه، وعلي كل من تبع هداه، ودعا بدعوته إلي يوم الدين) ومؤكدة أنه (صلي الله عليه وسلم) كان موصولا بالوحي الرباني، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض فلا يمكن للكلام الموحي إليه إلا أن يكون حقا كاملا، لا يأتيه باطل من بين يديه ولا من خلفه، فالحمد لله علي نعمة الإسلام، والحمد لله علي نعمة القرآن، والحمد لله علي باقي أفضاله ونعمه التي لا يجحدها إلا جاحد أو كافر أو مشرك، ونحن نبرأ إلي الله (تعالى) من أوصافهم أجمعين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.