ويمتد المجال المغناطيسي للأرض إلي مسافة تقدر بخمسين ألف كيلو متر فوق سطحها، وكونت الجسيمات المشحونة القادمة من السماء والتي أسرها المجال المغناطيسي للأرض زوجين من أحزمة الإشعاع هلالي الشكل علي ارتفاع الفي كيلو متر وخمسين ألف كيلو متر علي التوالي يحيط كل زوج منهما بالأرض من احدي جهاتها.
ويحيط الزوج الآخر من الجهة الأخرى وهذه الحلقات من أحزمة الإشعاع تحاصر الأرض مع مستوي مركزي منطبق علي المستوي الاستوائي المغناطيسي لها، وتحميها من وابل الأشعة الكونية المتساقط باتجاهها في كل لحظة.
ولولا هذه الحماية الربانية لهلكنا وهلكت جميع صور الحياة من حولنا، والجرعة الإشعاعية في أحزمة الإشعاع تلك عالية الشدة لا تطيقها أية صورة من صور الحياة الأرضية، وتبلغ الشدة الإشعاعية مداها في نطاق المنطقة الاستوائية للحزام الإشعاعي للأرض.
وللأرض كذلك نشاط ديناميكي يتمثل في حركة ألواح الغلاف الصخري لها، الممزق بشبكة هائلة من الصدوع، وتتحرك تيارات الحمل العنيفة المندفعة من نطاق الضعف الأرضي لتحرك تلك الألواح إما متباعدة عن بعضها البعض فتكون قيعان البحار والمحيطات وتساعد علي عملية اتساعها وتجديد مادتها باستمرار.
وإما مصطدمة مع بعضها البعض فتكون السلاسل الجبلية، وتصاحب العمليتان بتكون السلاسل الجبلية وبالعديد من الهزات الأرضية، و الثورات البركانية التي تثري سطح الأرض بالخيرات المعدنية والصخرية المختلفة.
والجبال لعبت ولا تزال تلعب دورا رئيسيا في تثبيت الغلاف الصخري للأرض، ولولا هذا التثبيت ما تكونت التربة، ولا دارت دورة المياه، ولا خزنت المياه تحت السطحية، ولا نبتت نبتة، ولا أمكن لكائن حي أن يستقر علي سطح الأرض.
كذلك لعبت الجبال ولا تزال تلعب دورا مهما في تثبيت الأرض ككوكب يدور حول نفسه، وتقلل من درجة ترنحه كما تقلل قطع الرصاص التي توضع في إطارات السيارات من معدل ترنحها. ولولا نطاق الضعف الأرضي ما أمكن لهذه العمليات الداخلية للأرض أن تتم، وهي من ضرورات جعلها صالحة للعمران.
هذه بعض آيات الله في الأرض وهي أكثر من أن تحصي في مقال واحد، أشارت إليها هذه الآية الكريمة التي يقول فيها ربنا (تبارك وتعالي): {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ}.
فسبحان من خلق الأرض بهذا القدر من الأحكام والإتقان، وترك فيها من الآيات ما يشهد لخالقها بطلاقة القدرة، وإحكام الصنعة، وشمول العلم كما يشهد له (تعالى) بجلال الربوبية وعظمة الألوهية، والتفرد بالوحدانية.
وسبحان الذي أنزل هذه الآية الكريمة المعجزة من قبل ألف وأربعمائة سنة ولم يكن لأحد من الخلق إلمام بتلك الآيات الأرضية والتي لم تتكشف أسرارها للإنسان إلا منذ عقود قليلة من الزمان، وفي ذلك من الشهادات القاطعة بأن القرآن الكريم هو كلام الله الخالق، وأن نبينا محمدا (صلي الله عليه وآله وسلم) هو خاتم أنبياء الله ورسله، وأنه( صلوات الله وسلامه عليه) كان موصولا بالوحي، ومعلما من قبل خالق السماوات والأرض.
وصدق الله العظيم إذ يصفه بقوله الحق: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}... (النجم: 3 ـ10).