هل عقوبة الإعدام وكذلك السجن المؤبد ضمن بنود الشريعة الإسلامية؟
يجيب على هذه الفتوى الدكتور عبدالله سمك: نعم هناك في الشريعة الإسلامية القصاص أو القود (الإعدام) والحبس (السجن) أما القصاص، فهو لغة: تتبّع الأثر، واصطلاحاً: هو أن يفعل بالجاني مثل ما فعل.
أما الحبس أو التعزير أو السجن، فهو عقوبة غير مقدّرة شرعاً، تجب حقّاً للّه، أو لآدميّ، في كلّ معصية ليس فيها حدّ ولا كفّارة غالباً.
ويختلف التّعزير عن الحدّ والقصاص من وجوه منها:
أ - في الحدود والقصاص، إذا ثبتت الجريمة الموجبة لهما لدى القاضي شرعاً، فإنّ عليه الحكم بالحدّ أو القصاص على حسب الأحوال، وليس له اختيار في العقوبة، بل هو يطبّق العقوبة المنصوص عليها شرعا بدون زيادة أو نقص، ولا يحكم بالقصاص إذا عفي عنه، وله هنا التّعزير. ومردّ ذلك: أنّ القصاص حقّ للأفراد، بخلاف الحدّ.
وفي التّعزير يختار القاضي من العقوبات الشّرعيّة ما يناسب الحال، فيجب على الّذين لهم سلطة التّعزير الاجتهاد في اختيار الأصلح، لاختلاف ذلك باختلاف مراتب النّاس، وباختلاف المعاصي.
ب - إقامة الحدّ الواجب لحقّ اللّه لا عفو فيه ولا شفاعة ولا إسقاط، إذا وصل الأمر للحاكم، وثبت بالبيّنة، وكذلك القصاص إذا لم يعف صاحب الحقّ فيه.
والتّعزير إذا كان من حقّ اللّه تعالى تجب إقامته، ويجوز فيه العفو والشّفاعة إن كان في ذلك مصلحة، أو انزجر الجاني بدونه، وإذا كان من حقّ الفرد فله تركه العفو وبغيره، وهو يتوقّف على الدّعوى، وإذا طالب صاحبه لا يكون لوليّ الأمر عفو ولا شفاعة ولا إسقاط .
ج - علماء المسلمين قد اختلفوا فى كيفية استيفاء القصاص.
فذهب كثير من العلماء إلى أَنْ يَكُونَ الْقَوَدُ بِمِثْلِ مَا قُتِلَ بِهِ، أي أنه يقتل القاتل بمثل ما قتل به المقتول إلا إذا كان قتله بشيء محرم شرعا، فإنه لا يجوز أن يقتل بذلك. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وقد استدلوا على مذهبهم بظاهر قوله تعالى {ولكم فى القصاص حياة}، فإن كلمة القصاص تنبئ عن معنى المماثلة والمساواة.
وقَوْله تَعَالَى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}، وَهُوَ الَّذِي يُسْتَفَادُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} وَقَوْلِهِ: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وبما رواه الجماعة عَنْ أَنَسٍ: (أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ فَقِيلَ لَهَا: مَنْ فَعَلَ بِك هَذَا؟ فُلَانٌ أَوْ فُلَانٌ حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا فَجِيءَ بِهِ فَاعْتَرَفَ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُضَّ رَأْسُهُ بِحَجَرَيْنِ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ.
وفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (فَقَتَلَهَا بِحَجَرٍ فَجِيءَ بِهَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهَا رَمَقٌ).
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى (قَتَلَ جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى حُلِيٍّ لَهَا ثُمَّ أَلْقَاهَا فِي قَلِيبٍ وَرَضَخَ رَأْسَهَا بِالْحِجَارَةِ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ حَتَّى يَمُوتَ، فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ) وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُقْتَلُ الرَّجُلُ، وَبِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ غَرَّضَ غَرَّضْنَا لَهُ وَمَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ) أَيْ مَنْ اتَّخَذَهُ غَرَضًا لِلسِّهَامِ، وَهَذَا يُقَيَّدُ بِمَا إذَا كَانَ السَّبَبُ الَّذِي قُتِلَ بِهِ يَجُوزُ فِعْلُهُ.
وَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ كَمَنْ قُتِلَ بِالسِّحْرِ، فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ.
وَذَهَبَ الْهَادَوِيَّةُ وَالْكُوفِيُّونَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إلَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ الِاقْتِصَاصُ