لقد كشف العلم الحديث أن الليل يحيط بالأرض من كل مكان، وأن الجزء الذي تتكون فيه حالة النهار هو الهواء الذي يحيط بالأرض، ويمثل قشرة رقيقة تشبه الجلد، و إذا دارت الأرض سلخت حالة النهار الرقيقة التي كانت متكونة بسبب انعكاسات الأشعة القادمة من الشمس على الجزئيات الموجودة في الهواء مما يسبب النهار.
فيحدث بهذا الدوران سلخ النهار من الليل والله يقول: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ}... يس: 37.
المصدر: (كتاب توحيد الخالق الجزء الأول) عبد المجيد الزندانى
إن القرآن الكريم لم يأت بالدلائل التي تؤكد لنا أن الأرض كروية في آية واحدة... بل جاء بها في آيات متعددة.. لماذا؟.. لأن هذه القضية كونية كبرى.. ولأن الكتب القديمة التي أنزلها الله قبل القرآن الكريم قد حرفت بشريا.. فأوجدت تصادما بين الدين والعلم..
ولذلك يأتي القرآن الكريم ليعطينا الدليل تلو الدليل على كروية الأرض: يقول الله سبحانه وتعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.. سورة يس: 40..
الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة يرد على اعتقاد غير صحيح كان موجودا عند العرب وقت نزول القرآن.. ويجئ الحق ليصحح هذا الاعتقاد الخاطئ فيقول: (اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ) أي أنكم تعتقدون أن النهار لا يسبق الليل..
ولكن الله يقول لكم: إن الليل أيضا لا يسبق النهار.. ومعنى أن النهار لا يسبق الليل وأن الليل لا يسبق النهار.. أنهما موجودان معا على سطح الكرة الأرضية.. وحيث إنه لم يحدث تغيير في خلق الكون أو في القوانين الكونية العليا بعد أن تم الخلق.. بل بقيت ثابتة تسير على نظام دقيق حتى قيام الساعة..
فلو كانت الأرض على شكل هندسي آخر مربع أو مثلث أو غير ذالك.. لكان في ساعة الخلق وجد النهار أولا.. ولكن لا يمكن أن يوجد الليل والنهار معا في وقت واحد على سطح الكرة الأرضية.. إلا إذا كانت الأرض كروية.. فيكون نصف الكرة مضيئا والنصف الآخر مظلما.
ولكن الله سبحانه وتعالى أراد أن يؤكد هذا المعنى.. فذكر آية أخرى تحدد معنى كروية الأرض ودورانها فقال جل جلاله: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا}... سورة الفرقان: 62.
ما معنى خلفه؟... معناها أن الليل والنهار يخلف كل منهما الآخر.. فمثلا في الحراسات المستمرة.. تأتي نوبة حراسة لتخلف نوبة سبقتها ثم تأتي النوبة الثالثة لتخلف الثانية وهكذا.. وإذا فرضنا أن مصنعا يعمل أربعا وعشرين ساعة متوالية.. فأنه يكون هناك أربع ورديات تخلف كل منهما الآخرى..
ولكننا لا بد أن ننتبه إلى أنه في كل هذه النظم.. لا بد أن تكون هناك وردية هي التي بدأت ولم تخلف أحدا.. فإذا قررنا وضع الحراسة على مكان فإن الوردية الأولى التي تبدأ الحراسة لا تخلف أحدا لأنها البداية.
وإذا بدأنا العمل في المصنع فإن الوردية الأولى التي افتتحت العمل لم تخلف أحدا لأنه لم يكن هناك في المصنع عمل قبلها.. وهكذا في كل شيء في الدنيا.. يخلف بعضه بعضا.. تكون البداية دائما وليس هناك شيء قبلها تخلفه.
ولكن الحق سبحانه وتعالى قال: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} ومادام الله هو الذي جعل فلا بد أن يكون ذلك قد حدث ساعة الخلق.. فأوجد الليل والنهار خلفة على الأرض ولكننا كما أوضحنا.. فإن ساعة البداية في كل شيء لا يكون فيها خلفة.. أي لا يخلف شيء شيئا قبله.. فهذه هي البدايات.. ولكن الله يقول لنا: إنه في ساعة البداية كان الليل والنهار خلفة..
إذن فلا بد أن يكون الليل والنهار قد وجدا معا ساعة الخلق في الأرض.. بحيث أصبح كل منهما خلفة للآخر.. فلم يأت النهار أولا ثم خلفه الليل.. لأنه في هذه الحالة لا يكون النهار خلفة بل يكون بداية.. ولم يأت الليل أولا ثم يخلفه النهار لأنه في هذه الحالة لن يكون الليل خلفه بل يكون بداية ولا يمكن أن يكون الليل والنهار كل منهما خلفة للآخر إلا إذا وجدا معا ونحن نعلم أن الليل والنهار يتعاقبان علينا في أي بقعة من بقاع الأرض..
فلا توجد بقعة هي نهار دائم بلا ليل.. ولا توجد بقعة هي ليل دائم بلا نهار.. بل كل بقاع الأرض فيها ليل وفيها نهار.. ولو أن الأرض ثابتة لا تدور حول نفسها.. ووجد الليل والنهار معا ساعة الخلق فلن يكونا خلفة ولن يخلف أحدهما الآخر.. بل يظل الوضع ثابتا كما حدث ساعة الخلق.. وبذلك لا يكون النهار خلفة لليل ولا الليل خلفة للنهار..
ولكن لكي يأتي الليل والنهار يخلف كل منهما الآخر.. فلا بد أن يكون هناك دوران للأرض لتحدث حركة تعاقب الليل والنهار.. فثبوت الأرض منذ بداية الخلق لا يجعل الليل والنهار يتعاقبان..
ولكن حركة دوران الأرض حول نفسها هي التي ينتج عنها هذا التعاقب أو هذه الخلفة التي أخبرنا الله سبحانه وتعالى بها إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً} يحمل معنيين المعنى الأول: أنهما خلقا معا.. فلم يسبق أحدهما الآخر..
وهذا إخبار لنا من الله سبحانه وتعالى بأن الأرض كروية.. والمعنى الثاني: أن الأرض تدور حول نفسها.. وبذلك يتعاقب الليل والنهار.
المصدر: (الأدلة المادية على وجود الله) لفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي